(الحدث الجنوبية) الشرق – واصلت الشرطة الإسرائيلية أمس, لليوم الثالث على التوالي, اعتداءاتها على المسجد الأقصى، واقتحمته مرتين في سبيل توفير «الأمان» للمصلين اليهود. ووفقا لأقوال محافظ القدس، د. عدنان الحسيني، الذي يحمل رتبة وزير في الحكومة الفلسطينية، فإن الاحتلال وضع خطة واضحة، تقوم على إفراغ الأقصى من المصلين بالقوة، عندما يرغب المستعمرون اليهود في زيارته والصلاة في باحاته.
وجاءت اقتحامات أمس، أشد من الاقتحامات التي سبقتها وأكثر قسوة، إذ تسببت في اندلاع حريقين في المصلى القبلي، أتى أولهما على محراب صلاح الدين، وحرق الثاني بوابته ذات الأثر التاريخي العريق. وأسفر العدوان خلال الأيام الثلاثة الماضية، عن إصابة 120 فلسطينيا من المرابطين والمرابطات، واعتقال نحو 30 شخصا، وإصابة خمسة عناصر من الشرطة الإسرائيلية.
وروى شهود عيان فلسطينيون، أن قوة كبيرة من شرطة الاحتلال اقتحمت الأقصى منذ فجر أمس، بهدف إخلائه من المصلين المسلمين، وإتاحة الفرصة للمصلين اليهود للزيارة وأداء الصلاة. وهذه المرة وضعت الشرطة خطة عسكرية متكاملة، حيث تسلق أفرادها أسطح المسجد القبلي، وحطموا زجاج شبابيكه، وألقوا القنابل الصوتية عبرها على الحراس الموظفين لدى دائرة الأوقاف الإسلامية، وعلى المرابطين في الداخل، بهدف دفعهم إلى الخروج، وتنفيذ اعتقالات في صفوفهم، وطرد من يبقى. لكن القنابل أشعلت النيران في مدخل المسجد وفي محراب صلاح الدين بداخله، وهما معلمان تاريخيان، كانا قد احترقا عندما أقدم مستوطن يهودي من أصول أميركية على إحراقهما سنة 1969.
ثم اقتحمت القوات المكان من البوابة الرئيسية، وراحت تعتدي على المرابطين بالضرب بشراسة، وتحطم كل ما في طريقها. ومكثت في المكان نحو ثلث ساعة، قبل أن تغادره مخلفة خرابا ودمارا كبيرين. ثم أغلقته بالسلاسل الحديدية والأعمدة. وأكد شهود عيان، أن رجال الشرطة دخلوا وهم ينتعلون أحذيتهم ويشتمون. ونفى الفلسطينيون ما ادعاه الناطق بلسان الشرطة الإسرائيلية، بأن الحريق في باب المسجد، جرى نتيجة إلقاء زجاجة حارقة أطلقت باتجاه الجنود، وقالوا إن كثافة القنابل الصوتية التي أطلقت داخل المسجد هي ما تسبب به، وبحرق معظم الأخشاب والسجاد فيه.
وعندما انسحبت القوات الإسرائيلية من المسجد الأقصى، بعد أن ضمنت دخول عشرات المصلين اليهود، أغلقت أبوابه، ونصبت الحواجز منذ ساعات الصباح، وفتحت فقط باب حطة وباب المجلس وباب السلسلة، ومنعت دخول المصلين ممن هم دون سن الـ50، وشمل المنع طلبة مدارس الأقصى الشرعية.
وفي بيان لها، قالت الشرطة الإسرائيلية إنها «دخلت المسجد الأقصى فقط بعد أن وصلتها معلومات عن تحصن شبان بداخله، بينهم ملثمون قاموا بجمع الحجارة والمفرقعات ونصب الحواجز، وحاولوا منع إغلاق أبوابه بربطها بحبال مع خزانات الأحذية». وأضافت الشرطة، أن «شبانا ملثمين قاموا برشق الحجارة تجاه باب المغاربة، ودخلت الشرطة لكي تفرض النظام وإفساح المجال أمام زيارات الأجانب». وأضافت أن «الشبان هربوا إلى داخل المسجد وهم يلقون الحجارة والمفرقعات نحو الشرطة».
وفي ساعات بعد الظهر، عادت الشرطة، وفتحت قوات الاحتلال الإسرائيلي باب المغاربة مجددا، وأدخلت 15 مستوطنا يهوديا. وتم تكرار السيناريو الصباحي من جديد، فانتشر عناصرها على طول مسار بابي المغاربة والسلسلة. وعندما راح المصلون من المرابطين والمرابطات يكبرون، هاجمتهم الشرطة مجددا، وحاولت فرقة من قوات الاحتلال اعتقال شاب داخل المسجد وقامت عناصرها بملاحقته، إلا أنه استطاع الإفلات، فانتقموا بضرب من وجدوه في طريقهم. وفقط بعد ثلاثة أرباع الساعة، سحبت قوات الاحتلال عناصرها وأغلقت باب المغاربة بعد خروج آخر المستوطنين من باب السلسلة.
واعتبر الشيخ عكرمة صبري، رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس تلك الهجمات، بمثابة خطة حكومية إسرائيلية رسمية، هدفها تقسيم الأقصى ما بين المسلمين والمسيحيين، مرتين في اليوم لليهود ومرتين للمسلمين. وقال الوزير الحسيني، إن «هذا المخطط لا يمكن أن ينفذ إلا على جثة آخر فلسطيني في فلسطين».
وفي رام الله، حذرت الرئاسة الفلسطينية من أن استمرار الاقتحامات والاستفزازات اليومية في القدس المحتلة، سيجر المنطقة إلى حرب دينية. وبحث الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في اتصال هاتفي مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، دعوة مجلس الأمن إلى عقد جلسة طارئة لمناقشة الوضع.
وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، إن «استمرار استخفاف إسرائيل بالمشاعر الدينية الفلسطينية والعربية ستكون له عواقب وخيمة»، متعهدا باتخاذ الإجراءات المناسبة، واللجوء إلى قرارات مهمة في وقت قريب. وأضاف أبو ردينة، أنه «على إسرائيل ألا تعتقد بأنها قادرة على استغلال الضعف العربي الحالي»، وقال: إن «الواقع الحالي سيتغير وفق حركة التاريخ، ولصالح فلسطين، والأمة العربية». وخلص أبو ردينة إلى القول إن «هذا التصعيد، يستدعي تحركا عربيا، وإسلاميا، ودوليا لهذه الحرب الدينية التي فرضتها إسرائيل، والتي ستجر المنطقة إلى حروب لا تنتهي». وانتقد ما وصفه التراخي الدولي والانحياز الأميركي بدعم إسرائيل، وقال إن ذلك «ستكون له نتائج سلبية على المنطقة». وكان الرئيس محمود عباس هاتف أمس، العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، حول استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى المبارك، وضرورة استمرار التحرك المشترك عربيا ودوليا لمواجهة هذه الاعتداءات الخطيرة التي تستهدف التقسيم الزماني والمكاني للمسجد المبارك.
وجاء اتصال عباس بالملك عبد الله باعتباره راعي المقدسات في مدينة القدس، وقادرا على التحرك في مجلس الأمن وهيئات دولية أخرى. وجاء في بيان للديوان الملكي الأردني، أن عباس أعرب عن تقديره والشعب الفلسطيني للجهود الحثيثة التي يبذلها الأردن، في الدفاع عن القدس ومقدساتها، وما تقوم به المملكة الأردنية لمواجهة الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية. كما أجرى عباس اتصالات مع ملوك ورؤساء دول عربية أخرى، بالإضافة إلى نبيل العربي أمين عام الجامعة العربية، والدكتور إياد المدني أمين عام منظمة التعاون الإسلامي، ووزراء الخارجية العرب، وعدد من رؤساء الدول الإسلامية وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
وقال بيان لمنظمة التحرير الفلسطينية إن «هذه الاتصالات استهدفت بحث دعوة مجلس الأمن للاجتماع بشكل عاجل، وتحمل مسؤولياته وفقًا لقراراته الخاصة حول وضع القدس».




